شرفة

تسليم السلاح لأصحابه مهمّة وطنية عليا

كتب سهيل كيوان: يبدو كلُّ شيءٍ غريبًا وغير مفهوم ضمنًا في واقع الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، ويصعب حتى على محلّلين سياسيين تفسير بعض جزئياته، فقوة الحركة الصهيونية ليست في التفوّق العسكري فقط، بل في المراوغة وخلط الأوراق، وتركيز الجهود على حرمان الفلسطيني من حقيقة كونه الضحية، وتصويره جلادًا، أو إرهابيًا يرفض اليدَ الممدودة للسّلام.

لقد ناضل الشعب الفلسطيني كثيرًا ليظهر الحقيقة البسيطة بأنه ضحية احتلال، وهذا لم يكن سهلا في مواجهة حركة تعمل بذكاء وتدرس خطواتها، حيث القرارات تُتّخذ بالتشاور، وبعد أخذ آراء متعددة ونقاش مستفيض.

لقد نجح الفلسطينيون بدماء شهدائهم وأسراهم ومعاناتهم، في مهمّة توضيح هذه النقطة الحاسمة، هذا برز جليًا في الانتفاضة الأولى عام 1987، حيث خرج الشعب الأعزل في مواجهة جيش احتلال مدجج بأشدّ الأسلحة فتكًا، وكان على الحركة الصهيونية، أن تخلط الأوراق من جديد، وهذه كانت مهمة اتفاق أوسلو من جانب إسرائيل، الذي انطوى على خديعة منذ بدايته.

وهكذا جرى تسليح قوات الأمن الفلسطيني، التي ظهرت لمن ينظر من خارج الصورة، بأنها قوات مستقلة، تحارب”الإرهاب”، الذي قد يمسُّ بالاستقرار وبسيرورة مسيرة السلام، وبالطرف الآخر من الصراع، وهكذا مرة أخرى اختلطت الأوراق ولم يعد واضحًا من هو الجلاد، فالضحية لم تعد مُقنِعة، وحُجّتها باتت ضعيفة، فكيف يمكن أن تكون ضحية، وأنت تنسّق مع من تريد مقاومته وتحمل السلاح الذي سمح لك هو به؟ هكذا صارت سلطة رام الله مسؤولة عن كل خلل في أمن الطرفين، أمن الفلسطيني في القضايا الجنائية الداخلية، وأمن الإسرائيلي المستوطن وغير المستوطن، ولكنها ممنوعة من التعامل مع المستوطنين حتى عندما يعتدون على الناس.

رغم كل التجاوزات وعدم الالتزام بالاتفاقات من جانب الاحتلال، فقد واصلت السلطة الفلسطينية تمسّكها بها، وظلت حريصة على قمع أي تململ أو أي عمل مقاوم بأي شكل كان، إلا أنها في الوقت ذاته، ظلت متهمة من الجانب الإسرائيلي بعدم وفائها لالتزامها، وظل الاحتلال يوجّه لها تهمة التحريض على العنف.

لقد تخادعت السلطة الفلسطينية لنيل شيء ما، ولكنها خُدعت، وهذا كان واضحًا منذ البداية، وهو ما اعترف به المرحوم ياسر عرفات الذي انضم إلى شعبه في انتفاضة عام 2000.

يعترف قادة الاحتلال، بأن التنسيق الأمني حقق نجاحًا كبيرًا في لجم أعمال المقاومة، حتى السّلمية منها، في الوقت الذي لم يتحقق شيءٌ في الطريق إلى دولة فلسطينية، العكس هو الصحيح، فقد بات حلم الدولة أو حتى الحكم الذاتي على الضفة الغربية أمراً بعيد المنال.

لقد خدَعَ التنسيق الأمني أولئك الذين ناصروا القضية الفلسطينية، فرأى العالم ما يجري على أرض الواقع كأمرٍ متفق عليه.

لقد لعب التنسيق دور التدجين والتعايش مع الاحتلال في ظل تمدّده، ومن ناحية أخرى أوهم العالم والعرب بوجود استقلال فلسطيني.

في عودة إلى العقود الأربعة الأخيرة من الصراع، نرى أن المكاسب التي حققها الشعب الفلسطيني، كانت في الانتفاضة الشعبية غير المسلحة، حيث حظيت بتعاطف البشرية كلها، وصارت مصدر إلهام للمنتفضين على الظلم في كل أرجاء العالم، وفي الوقت ذاته، رغم كل القمع، فقد كبّلت يد القوة العسكرية الإسرائيلية الضخمة، والعكس صحيح، فاستخدام السلاح في المعارك غير المتكافئة في انتفاضة عام 2000 منح الاحتلال فرصة استخدام الطيران وكل أنواع الأسلحة الثقيلة.

الخدعة الآن هي في إظهار ضم الأغوار وكأنه المشكلة التي تهدد الاستقرار، وما يسمى عملية السلام، وهكذا فإن وقف الضم، صار يعني أن الأمور إلى حد ما جارية على يرام.

التنسيق الأمني والسلاح شوّه الصورة الحقيقية للصراع، فمن ينظر إلى الصراع من خارجه لن يستطيع فهم المعادلة، هذا شوّش تضامن العالم مع الفلسطينيين وشوّه الواقع، ومنح الحكومات المختلفة من عرب وغير عرب ذريعة، بأنه لا مانع من التطبيع فالفلسطينيون أنفسهم مطبّعون.

أين المنطق مثلا في استنكار التطبيع العربي أو العالمي مع حكومة نتنياهو، في ظل تنسيق يعني ما هو أكثر من التطبيع!

الوضع على حافة الانفجار، لأن الاحتلال لن يتوقف عند حد معين، حتى تحقيق الحلم الصهيوني الأكبر، والسلاح في يد السلطة لن يكون ولا مكان له إلا في قمع الشعب المقاوم، وإذا استخدم ضد الاحتلال، فإن مجازر سوف ترتكب، لهذا فإن تسليم السلاح لأصحابه الحقيقيين وهم الأوروبيون والأميركان والاحتلال، هي الطريقة الوحيدة التي تعيد الروح للنضال الفلسطيني، وتعني العودة إلى تلاحم الشعب الفلسطيني في مواجهة الاحتلال، ووضوح الصورة، شعب يناضل ضد احتلال همجي لا حدود لوحشيته وجشعه، وأن يجري هذا في طريقة استعراضية أمام العالم كله، كي يفهم العرب وغير العرب أن الشعب الفلسطيني لم يتحرّر، ولا تربطه أي علاقة تنسيق مع الاحتلال الذي ما زال في أوج توسّعه وعدوانه، وكل ما دون تسليم السلاح سيبقى في دائرة المراوغة وطحن الماء.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى