مرأة

غزة: صحفيات مصورات في الملاعب.. لماذا يرفضهنّ المجتمع؟

اتجه عديد من الفتيات داخل قطاع غزة في السنوات القليلة الماضية إلى العمل بمجال الصحافة الرياضية، بما فيها التصوير الرياضي داخل الملاعب الذي يُعتبر حكراً على الرجال. لماذا يرفضهنّ المجتمع؟

قطاع غزة ـــ يُعتبر المجتمع الفلسطيني من المجتمعات المحافظة، بخاصة في قطاع غزة، ولا يتقبل وجود فتيات في الفاعليات والأنشطة الرياضية ووجودهن أيضاً داخل الملعب، وكان ينظر إليه على أنه أمر مخالف للعادات والتقاليد المجتمعية، بخاصة أن من يمارس رياضة كرة القدم ويشاهد تلك الرياضة داخل الملاعب هم الرجال أيضاً، لكونه لا يسمح بدخول النساء لمشاهدة المباريات من مدرجات الملعب.

ويكمن هدف اتجاه الفتيات إلى ممارسة هذا النوع من الصحافة بجانب الرجال في تغير نظرة المجتمع، فخلال هذه الفترة الحالية ازداد عدد الصحفيات اللائي يعملن في مجال الصحافة الرياضية، بما فيه التصوير الرياضي.

خلال هذه الفترة الحالية ازداد عدد الصحفيات اللائي يعملن في مجال الصحافة الرياضية، بما فيه التصوير الرياضي
خلال هذه الفترة الحالية ازداد عدد الصحفيات اللائي يعملن في مجال الصحافة الرياضية، بما فيه التصوير الرياضي (TRT Arabi)

كانت المصورة الوحيدة

على أرضية ملعب اليرموك الرياضي بمدينة غزة انطلقت صافرة مباراة كرة القدم بين نادي خدمات الشاطئ ونظيره نادي الصداقة الرياضي، ومع الصافرة انطلقت ثلاث مصورات صحفيات وأخذن وضعيات مختلفة للتصوير. المصورة الرياضية نيلي المصري التي تُعتبر المصورة الوحيدة التي كانت تمارس التصوير الرياضي قبل سنوات، تقول: “بدأت العمل بمجال التصوير بكاميرا صغيرة الحجم ذات جودة متوسطة. رغم بساطة الكاميرا فإنني استطعت أن أصف المشهد كما هو وأن أخوض تجربة تصوير خارجية من خلال تصوير المعسكر والمباريات لمنتخب سيدات فلسطين بطولة العرب الأولى لكرة القدم”.

تُعتبر نيللي المصري المصورة الوحيدة التي كانت تمارس التصوير الرياضي قبل سنوات
تُعتبر نيللي المصري المصورة الوحيدة التي كانت تمارس التصوير الرياضي قبل سنوات (TRT Arabi)

وتابعت المصري (39 عاماً) لـTRTعربي: “التصوير الرياضي تخصص ممتع لأنه ينقل واقع أحداث الملعب، وأكون سعيدة عندما أشاهد الصور التي صوّرتها منشورة في إحدى الصحف اليومية أو ينشرها بعض اللاعبين على الرغم من صعوبة هذا المجال، فهي تلاحق عنصراً متحركاً لمدة من الزمن، فيجب التقاط المشهد بعناية وتركيز”، منوهة بأنها تُعتبر أول مصورة رياضية في فلسطين.

أصبح بين الفتيات رواج لدخول مجال الإعلام الرياضي بما فيه التصوير
أصبح بين الفتيات رواج لدخول مجال الإعلام الرياضي بما فيه التصوير (TRT Arabi)

وتشير المصري التي تعمل في موقع “فيس كورة” إلى أنه في الفترة الحالية أصبح بين الفتيات رواج لدخول مجال الإعلام الرياضي بما فيه التصوير، رغم أن الذكور كانوا يستحوذون عليه، فغالباً ما كانت الصحفية الفلسطينية تتجه إلى السياسة بسبب الواقع السياسي الذي يعيشه قطاع غزة من جهة، والدخل المحدود من جهة أخرى.

وعن المواقف الطريفة التي حصلت معها داخل الملعب أشارت إلى أنه في أحد الأيام كانت تجلس وتلتقط الصور، وإذا بالكرة تصطدم بها، مبيّنة أنها تطمح إلى أن تصل إلى العالمية، داعية جميع الفتيات إلى الالتحاق بالتصوير الرياضي”.

أصغر مصورة

وعلى الزاوية الشرقية للملعب امتشقت المصوّرة الرياضية ميرهان الخالدي كاميرا التصوير وبدأت تلتقط الصور، لتقول: “بدأت التصوير منذ عام عندما اشتريت كاميرا من مصروفي الخاص، وذهبت إلى الملعب في الشوط الأول لتلك المباراة. مكثت لمدة شوط لم أصوّر أي صورة نظراً إلى ارتباكي لكوني الفتاة الوحيدة في الملعب”.

على الزاوية الشرقية للملعب امتشقت المصوّرة الرياضية ميرهان الخالدي كاميرا التصوير وبدأت تلتقط الصور،
على الزاوية الشرقية للملعب امتشقت المصوّرة الرياضية ميرهان الخالدي كاميرا التصوير وبدأت تلتقط الصور، (TRT Arabi)

وأضافت الخالدي (20 عاماً) التي تعمل حاليّاً في موقع “الأقصى سبورت”: “في الشوط الثاني لتلك المباراة شجّعني أحد الزملاء فالتقطت عديداً من الصور ونشرتها عبر حساباتي على مواقع التواصل الاجتماعي، بعد مدة من الزمن تواصل معي مدير أحد المواقع الرياضية المحلية من أجل العمل مصورة خاصة بالموقع، وبالفعل عملت به”.

وتابعت الخالدي: “في بداية الأمر استهجن البعض عملي بمجال التصوير الرياضي لكوني فتاة، بخاصة أنه من المعروف أن من يمارس التصوير الرياضي هم الرجال، لكن مع مرور الوقت شجّعني عديد من الذين يشاهدون الصور التي أصوّرها من أجل ممارسة التصوير والاستمرار به”.

في بداية الأمر استهجن البعض عمل ميريهان بمجال التصوير الرياضي لكونها فتاة
في بداية الأمر استهجن البعض عمل ميريهان بمجال التصوير الرياضي لكونها فتاة (TRT Arabi)

وتكمل: “ليس شرطاً أن يعمل الرجال وحدهم بمهنة التصوير الرياضي، فالنساء أيضاً من حقهن الذهاب إلى الملاعب وتغطية المباريات الرياضية كالرجال، على الرغم من أن العمل بهذا المجال يُعتبر مرهقاً”، مشيرة إلى أنها تُعتبر أصغر مصورة، ليس في قطاع غزة وحسب بل في فلسطين.

وفي نهاية حديثها شجّعَت الخالدي الفتيات على الاتجاه إلى مجال التصوير وعدم الاكتراث بنظرات المجتمع، راجيةً أن تسافر خارج قطاع غزة وتغطّي أحداثاً رياضية عالمية، وأن تعمل في أحد المواقع الدولية التي تختصّ بالمجال الرياضي.

على بعد أمتار قليلة من الخالدي تُوجِّه المصورة نعمة بصلة عدسة كاميرتها صوب حارس مرمى نادي الصداقة الذي صدّ كرة خطيرة، تقول بصلة (28 عاماً): “منذ طفولتي أعشق الرياضة، وكان حلمي أن أصبح إعلامية رياضية، وهذا ما تَحقَّق بالفعل. اشتريت الكاميرا قبل شهر بعد أن ادّخرت مصروفي الخاص، وأنا مستمتعة في العمل الذي أمارسه داخل الملعب بجوار مجموعة من الزملاء”.

منذ طفولتها تعشق نعمة الرياضة، وكان حلمها أن تصبح إعلامية رياضية
منذ طفولتها تعشق نعمة الرياضة، وكان حلمها أن تصبح إعلامية رياضية (TRT Arabi)

وتابعت بصلة التي تعمل في موقع “زوم برس”: “المجتمع داخل قطاع غزة يُعتبر من المجتمعات المحافظة التي لا تقبل وجود النساء في مجال الصحافة الرياضية، بخاصة أن المجال الرياضي يسيطر عليه الذكور”، راجيةً أن تصبح مصورة رياضية لكبرى الصحف والمواقع الدولية.

أعدادهن في ازدياد

من جانبها تقول عضو المكتب التنفيذي لاتحاد الإعلام الرياضي الفلسطيني تغريد العمور، إن “الصحافة الرياضية بشكل عامّ واجهت تحديات كثيرة بدأت من عهد الانتداب البريطاني ومراحل ما بعد ذلك، وصولاً إلى عهد السلطة الوطنية الفلسطينية، وضمن ذلك اقتصر العمل الرياضي بمجمله على الخبر والصفحات المخصصة له ضمن الصحف أو الأبواب.

هذه التحديات انعكست على الكيان الصحفي الرياضي، ومن ضمن ذلك الصحفية الرياضية التي أصرّت على أن تجد لها موطئ قدم بقوة في هذا المجال التخصصي، وإن كانت بداية الدرب بأسماء لمعت بقوة في التحرير الصحفي والصورة الاحترافية ورسائل الماجستير المتخصصة في الرياضة ومراسلات للقنوات المحلية والعربية أيضاً، وهو دليل قطعي على قدرة الصحفية على خوض غمار إثبات الذات بعر بوابة الإعلام الرياضي”.

من دروب التحدي أمام الصحفية الرياضية، فكان كسر هذا النمط والقالب بأن تصبح قادرة بشغفها وتميزها على فرض وجودها
من دروب التحدي أمام الصحفية الرياضية، فكان كسر هذا النمط والقالب بأن تصبح قادرة بشغفها وتميزها على فرض وجودها (TRT Arabi)

وحول زيادة عدد المصورات الآن على ما سبق، أوضحت العمور أن مجال الرياضة لطالما كانت النظرة فيه إلى الوجود في الملاعب على أنه فقط للصحفي الرياضي، ومن دروب التحدي أمام الصحفية الرياضية، فكان كسر هذا النمط والقالب بأن تصبح قادرة بشغفها وتميزها وفرض وجودها ضمن المجال التخصصي للإعلام الرياضي، وهذا ما ظهر بوجود الصحفيات بتنوُّع عملهن رياضيّاً في التغطية والمتابعة وفي كل الرياضات المختلفة.

أما أسباب عدم وجود الصحفيات في المجال الرياضي فتشير إلى دور النظرة النمطية لوجود صحفية بالملاعب وتقبُّل ذلك وإفساح المجال، إلا أن الصحفية الرياضية أثبتت ذاتها على الرغم من انعدام المردود المالي أو قلّته أسوة بزملائهن.

وتبيّن العمور أن من الأسباب أيضاً انحصار مفهوم الصحافة التخصصية في الصحة أو البيئية أو القضايا النسوية، فأصبحت الرياضة كتخصُّص أمام الإعلامية بمثابة تَحَدٍّ، إلا أن نماذج النجاح من الزميلات كانت دعوة إلى خوض غمار هذا التحدي وبدء العمل في هذا المجال.

ونوهت العمور بأن بعض الصحفيات امتلك القدرة على البدء بقوة في العمل الإعلامي الرياضي، وهو العائلة الرياضية التي دعمتها لخوض هذا المجال، فكُنّ نماذج نجاح حفزت مزيداً من الإعلاميات لخوض غمار هذا التحدي، بالإضافة إلى حرص الإعلاميات على مواكبة تطور الرياضات كافةً بفرقها ومشاركاتها، وبدأن الانتقال من تجربة البدء إلى المهنية والاحترافية، مبيّنة أنهن في اتحاد الإعلام الرياضي الفلسطيني سيعقدون دورات لتطوير مهاراتهن، إلى جانب فتح الباب للتخصص بهذا المجال.

المصدر: TRT عربي

اعداد هاني ابو رزق

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى